لا يذكر أحد متي ولا كيف عرفنا الشاب الظاهرة (طارق نور) الذي غير وجه الإعلان في مصر للأبد .. هذا الشاب كان له بالتأكيد ارتباط قوي بالبرنامج الأوروبي وله فكر غربي كامل. قرر طارق نور أن ينتج إعلانات غربية بالكامل علي أرض مصر وبالاستعانة بالأجانب الموجودين في مصر .. هكذا ظهرت إعلانات مبهرة غريبة علينا مثل إعلان مزيل العرق الشهير الذي يدور حول رجل إيطالي يشك في زوجته التي تدوي ضحكاتها من الطابق العلوي .. يهرع هناك مصمما علي قتلها فيكتشف أنها تمزح مع مزيل العرق !.
ثم تفتق ذهن طارق نور عن أن الفتاة الغربية تبدو أجمل إذا لبست ملاية لف وهكذا ولدت إعلانات مثل (واحد اتنين تلاتة .. حاجيب لك عربية) . لا ننكر أنها كانت إعلانات ذكية .. أعتقد كذلك أن طارق نور هو أول من كرس مبدأ أن الفتاة المصرية السمراء ذات العينين السوداوين ليست جميلة ولا غزالا ولا حاجة كما نقنع أنفسنا. بل هي ( بيئة ) .. هناك فتاة واحدة جميلة هي الخواجاية ذات الشعر الأصفر والعينين الزرقاوين ويا سلام لو كانت تتكلم بعض العربية المكسرة . هذا قبل أن يسود مبدأ أن هناك طريقة حياة واحدة تستحق الكفاح من أجلها هي الحياة الأمريكية ..
كانت هذه سنوات الانفتاح الأولي وقد ظهر في الإعلانات ذلك الصوت الرفيع المنبهر دائما يعبر أصدق تعبير عن الجنون الاستهلاكي الذي دخلنا فيه فلو كان للاستهلاك صوت لكان هذا صوته .. الحق نفسك .. وفر فلوسك .. انسف .. جدد .. اشتر الآن .. أما زالت معك نقود .. يا لك من أحمق !. هذا بالطبع مع الجرأة اللغوية (الحب من أول أطمة) .. للمرة الأولي تكتب ( قضمة ) بهذه الطريقة .
أحيانا تنجح الإعلانات في خلق الخرافة .. مثلا تلك الإعلانات عن السمن الصناعي المليء بالدهون المشبعة .. أولا هي سلعة غير صحية بتاتا وما تنجح فيه فعلا هو ملء شرايينك التاجية بالكوليسترول .. ثانيا مذاقها غير محبب علي الإطلاق لكن الإعلانات تصر علي أن (الطعم بلدي وتحدي) .. وتدور كل الإعلانات حول خبير الطبخ الذي يتناول ملعقة من السمن البلدي وهذا السمن ويفشل في معرفة الفارق .. طبعا هذا كذب ولا يمكن أن يخطئ معتوه في معرفة الفارق لكن تكرار الدعاية علي طريقة الخواجة (جوبلز) الذي يصر علي أن تكذب بضخامة وتكرر كذبتك هذا التكرار يجعل الكثيرين يعتقدون أن هذا صحيح أو فيه بصيص من الصحة .
يبلغ نفاق المعلنين ذروته عندما تذهب للخليج فتكتشف أن نفس إعلاناتنا بنفس الفتيات موجودة هناك لكن مع وضع حجاب علي رأس الفتيات !.. أي أن هناك صيغة لمخاطبة المصريين وصيغة لمخاطبة دول الخليج الأكثر تحفظا.
لكنك مع الوقت تكبر سنا و تتعلم الحقيقة التاريخية التي تقضي بأنك لن تحصل علي قطع اللحم العملاقة الظاهرة علي علبة الشواية التي اشتريتها وبالتأكيد لن يبيعوا لك تلك الحسناء مع السيارة .. عندما تذهب لشركة الاتصالات لن يقابلك ذلك الفتي الباسم الذي لا يتعب أبدا ولا يؤلمه فكاه من كثرة الضحك ..
لكن هناك جيلا من صغار السن ما زال يتعلم .. هذا الشاي أسوأ من المعتاد، هلم اسكبه وأعد لنا كوبین أخرین.
بقلم د٠ أحمد خالد توفیق
تابعونا عبر صفحاتنا:
www.instagram.com/cinemabra7www.threads.net/@cinemabra7www.soundcloud.com/cinemabra7www.tiktok.com/cinemabra7t.me/cinemabra7
https://cinemabra7.quora.com